يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث: "وإنَّ الشَّيطانَ قد أيِسَ أنْ يُعبَدَ في بلادِكُمْ هذهِ أبداً، ولكن ستكُونُ لهُ طاعةٌ فيما تحتقرونَ من أعمالكُمْ فَسَيرضَى بهِ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وروى الإمام مسلم أن أناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان".
ويقول الإمام النووي في معرض تعليقه على هذا الحديث: "قيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء".
وبذلك –يا أخي- أكون قد أجبتك بما أجبت به نفسك حينما قلت: "وأنا أعتقد اعتقادًا جازمًا أنه من تلبيس إبليس"، فكل ما يدور بخلدك ما هي إلا وساوس يحاول الشيطان أن يزرعها فيك ليثغير لائق عن الدعوة إلى الله، وما عليك سوى أن تطرد هذه الوساوس من ذهنك وتستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
ورغم ما سبق فلنناقش ما طرحته في استشارتك أيضاً..
تقول لك أ. هبة عمرو من فريق الاستشارات الدعوية: "أخي الكريم، إنك إن تأملت آيات القرآن الكريم لوجدت أنه ما من موضع ذكرت فيه القلة إلا مدحت.
يقول تعالى: "وقليل من عبادي الشكور"، "وما آمن معه إلا قليل"، "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم".
وإذا تأملت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة، بل إذا تأملت حركة التاريخ كله ستجد أن الحق دائمًا مع القلة، فهذه من سنن الله في الكون.
فطالما عرفت الحق، فلتتمسك به أياً كان عدد وقوة أهله.
ولتضع في اعتبارك أن هذه الفئة القليلة عليها عبءٌ مضاعفٌ لعلمها وفهمها، وإثمها مضاعفٌ أيضاً إن قصَّرت في الدعوة إلى الله، وثوابها –إن شاء الله- مضاعفٌ كذلك إن هي أحسنت.
فطالما أنعم الله عليك بوجودك وسط هذه الفئة القليلة الداعية إلى الله، وأنعم عليك بفهم دينه فهمًا صحيحًا، فلتأخذ هذا الدين بقوة وكن من رجال هذا الدين، وصدق من قال "يا له من دين لو كان له رجال".
وإياك أن تتقاعس بعد ما وصلت إليه حتى لا تكون مثل من قال الله فيه في سورة الأعراف: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
فهذا رجلٌ فهم دينه وارتبط به لدرجة اعتبار تركه بعد ذلك انسلاخاً "فانسلخ منها"، للدلالة على قوة ارتباط هذا الرجل بدين ربه وآياته، وبالطبع الشيطان موجودٌ دائماً يوسوس "فأتبعه الشيطان"، وكانت النتيجة الغواية والضلال، والعقاب المضاعف لدرجة أن شبَّهه الله تعالى بالكلب- أعزكم الله-.
وبالنسبة لمسألة من ماتوا ولم يسمعوا أو يعرفوا شيئًا عن الإسلام، هل يموتون كفارًا؟
حقيقة يا أخي مسألة موتهم كفارًا أم لا، دخولهم النار أم لا، كل هذا ليس من شأننا، والله سبحانه وتعالى كفيل بأن يحاسبنا جميعًا نحن وهم بعدله ورحمته، فلماذا نشغل تفكيرنا فيما أراحنا الله تعالى منه؟
أما شأننا الأساسي فهو لماذا لم يصلهم شيءٌ عن الإسلام؟ هل هم المخطئون بعدم بحثهم وسؤالهم أم نحن المخطئون لعدم قيامنا بواجب الدعوة على الوجه الصحيح!؟
هل عموم المسلمين هم المسئولون عن تبليغ الدعوة أم الفئة القليلة التي حملت عبء الدعوة؟
إن مسألة عدم وصول دعوة الإسلام لهم إن دلت على شيء فإنما تدل على تقصيرنا في واجبنا، وبالتالي تضاعف من مسئوليتنا تجاه الدعوة إلى دين الله عز وجلّ.
وعفوًا أخي، ما الذي تعنيه بأن كل من سمع باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يتبعه؟!
إن كنت تعني أن مجرد سماع اسمه صلى الله عليه وسلم يوجب على السامع الإيمان به، لكان الكفار أول من أسلم، كما أنه ما الذي سيؤمن به من يسمع اسمه صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا يؤمن؟
أما إن كنت تعني دعوته صلى الله عليه وسلم، فلنرجع إلى ما قلناه سابقًا ولنفكر في مسئوليتنا نحن أولاً قبل أن نلقي اللوم على غيرنا، فهذا الدين لا يأتي وحده للناس ويقول: "أنا الحق.. اتبعوني" وإنما يجب أن يحمله رجالٌ يبلِّغون دعوته إلى الناس أجمع، فعندما نكون على قدر هذه المسئولية، ساعتها يمكن أن نسأل لماذا من وصلتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤمنوا بها؟ وما أظن أن سيكون لهذا السؤال محلّ حينها.
إننا إذا قمنا بواجبنا ومسئولياتنا حق القيام فسنرى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وعندها سنسبح بحمد الله ونستغفره، وسننتظر بفارغ الصبر لقاءه سبحانه لأننا نكون قد أدينا مهمتنا على أكمل وجه.
أخيرًا: ادع الله معي أن يستعملنا ولا يستبدلنا وألا يحملنا ما لا طاقة لنا به.. اللهم آمين، وتأكد دائماً: يُعرفُ الرجالُ بالحق، ولا يُعرفُ الحقُ بالرجال".
انتهت إجابة الأخت هبة، وهي في رأيي إجابةٌ وافيةٌ كافيةٌ، ولم يبق أمامي إلا أن أذكِّرك أخي بنقاطها الرئيسية:
1- وساوس الشيطان لا تنتهي، وعلاجها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
2- الأعداد والقلة والكثرة ليست وحدها دليل هدايةٍ أو صحة.
3- من فهم دينه ودوره في الحياة عليه عبءٌ مضاعف، وثوابه مضاعفٌ، كما أن عقابه عند التقصير مضاعف.
4- لا يكون السؤال: ما مصير من لم تصلهم دعوة الإسلام؟ هل مصيرهم بعد موتهم الجنة أم النار؟
ولكن السؤال يكون: لماذا لم تصل دعوة الإسلام إلى هؤلاء؟
5- رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم أو سماع اسمه لا يقدِّم ولا يؤخِّر، مادام عملنا لم يقدِّمنا أو يأخِّرنا.
فاستمر أخي في دعوتك دون ترددٍ.. جعلنا الله وإياك من الدعاة الهادين المهديين.. اللهم آمين.
جميع الاستشارات المنشورة على شبكة "إسلام أون لاين.نت" تعبر عن آراء أصحابها من السادة المستشارين ، ولا تعبر بالضرورة عن آراء أو مواقف تتبناها الشبكة لقراءة اتفاقية استعمال الخدمة و الإعفاء من المسؤليه